بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرًا مباركًا
طيِّبًا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده
ورسوله، أما بعد؛
ما أحوجنا ونحن في هذا الزمن، زمن الفتن والمغريات وكثرة
الاختلاف والتفرق وقرب أو ظهور علامات كثيرة من علامات الساعة الصغرى، أقول: ما
أحوجنا ونحن في هذا الزمن أن نقوِّي صلتنا بربنا سبحانه وتعالى، ولهذا أحببت في هذا
اللقاء أن أتكلم عن:
كيف نقوِّي صلتنا بالله جل وعلا؟
نحن -للأسف الشديد-
نحرص على تقوية صلتنا -مثلاً- برجل غني أو رئيس أو ملك أو أمير، فتجد أحدنا يحرص
ويهتمُّ ويبحث كيف تكون له علاقة مع هذا المسؤول الكبير أو مع هذا الرئيس، خاصةً
إذا كان له نفوذ في البلد وكانت له سلطة وكان تحته أشياء كثيرة يستطيع أن يفعلها
لهذا الشخص، فتجد هذا المخلوق يهتمُّ بصلته بذلك المخلوق، بل إنَّ بعض الناس يفرح
ويتشرَّف ويفتخر ويقول لك: أنا عندي صلة قوية بالرئيس الفلاني أو المدير أو الوزير
الفلاني، يفتخر بهذا الأمر ويتشرَّف، ولكن هل نبحث ونسعى ونجتهد في أن نقوِّي صلتنا
بربنا سبحانه وتعالى، الذي خلقنا ورزقنا وأنعم علينا سبحانه وتعالى؟ هل نتشرف
ونفتخر ونفرح أنَّنا لنا علاقة وصلة قويَّة بالله سبحانه وتعالى؟
ولهذا أحببنا
في هذا اللقاء اليسير أن نلقي بعض الضوء حول:
كيف يقوِّي المسلم صلته بربه
سبحانه وتعالى؛ ما هي الوسائل؟ وما هي الأسباب؟
تجد أحدنا على سبيل المثال..
طبعًا أنا سوف أذكر لكم عدة طرق، عدة وسائل، قد يقول بعض الناس: كلها مؤداها واحد،
صحيح؛ مؤداها واحد وهو مرضاة الله والتقرُّب إلى الله، ولكن الإنسان يحاول ينوِّع،
الإنسان دائمًا يستشعر أنَّه يبذل ما يستطيع من الجهد حتى يُرِيَ الله من نفسه.. يا
رب أنا أبذل ما تريد من أجل أن أحصل على مرضاتك، من أجل أن تحبَّني يا رب؛ لأن الله
سبحانه وتعالى لا يحبُّ من عباده إلا المتقين الصالحين الصادقين التوَّابين
المحسنين.
فتجد أحدنا -اسمعوا إلى هذا المثل- مثلاً يريد أن يتقدم لخطبة امرأة،
فتجد هذا الإنسان -سبحان الله- يسعى جاهدًا ويحاول أن يتوصَّل إلى هذه المرأة -إلى
قلبها- حتى أهل هذه المرأة يوافقون على الزواج، فتجده يبذل جميع الأسباب؛ فيكلِّم
-مثلاً- العم والخال والأقرباء وكل من يعرفهم يكلمهم، يحاول أن يتوصَّل إلى هذه
المرأة حتى يتزوجها، ويسأل عن كل ما في هذه المرأة؛ يسأل عن طولها، وعرضها،
وجمالها، وحسنها، وهل هي بيضاء أو سمراء، وكل شيء؛ لأن عنده رغبة، عنده شوق، عنده
حب الاتصال بهذه المرأة، فهو يبذل كل ما يستطيع لكي يتوصَّل لهذه المرأة، لكي يتوصل
إلى لذة من لذات الدنيا، شهوة من شهواتها الزائلة الفانية.
طيب ما بالك بشخص
يريد أن يتقرَّب إلى الملك العظيم، الرحمن الرحيم، الملك الوهاب سبحانه وتعالى!
لماذا الإنسان لا يبذل كل ما يستطيع من الوسائل والأسباب والطرق حتى يتوصَّل إلى
محبة الله عز وجل! يقول نبينا صلى الله عليه وسلم -هذا الحديث قدسي-، قال النبي
عليه الصلاة والسلام: قال الله تعالى: "من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما
تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبُّ إليَّ مما افترضته عليه"، الله عز وجل يحبُّ من عبده
أن يتقرَّب إليه بالفرائض أكثر من النوافل، نحن نرى بعض الناس الآن يفعل النوافل
ويترك الفرائض، لا، "وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبُّ إليَّ مما افترضته عليه،
ولا يزال عبدي -انتبهوا إلى هذه النقطة! هذا هو المحك هنا، هذا هو الشاهد- ولا يزال
عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه"، الله أكبر! يا له من شرفٍ عظيم! يا لها
من كرامةٍ كبيرة! أنَّ الله الملك العظيم يحبُّ هذا العبد، "ولا يزال" انظر إلى
كلمة "لا يزال" القضية فيها استمرار، فيها مداومة، ليست يوم أو يومين، أو شهر أو
شهرين، أو سنة أو سنتين، أو في بعض المناسبات كرمضان، أو في بعض الأوقات، في أوقات
الأزمات والنكبات تجد هذا الإنسان يرجع إلى ربه ويعبد الله وإذا انتهت هذه المشكلة
وهذه المصيبة يترك العبادة، لا، "ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه"
الله أكبر.
طيب بعدين، قال: "فإذا أحببته..." ما هي الثمرة؟ ما هي النتيجة؟
اسمع! لأن بعض الناس الآن يقول: إذا أحبني الله، ما هي الثمرة أو النتيجة؟ الآن
يوضِّحها الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: "فإذا أحببته -هذه أول ثمرة- كنت
سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها"
إذن هذه أول ثمرة، كيف الله يكون سمعه وبصره ويده ورجله؟! كيف؟! قد يستغرب، يقول:
الله الخالق العظيم يكون سمعي وبصري ويدي ورجلي! كيف هذا الكلام؟! قال العلماء:
-انتبه! لنحلّ هذا الإشكال- المقصود بذلك أن الله يوفِّقك في جوارحك فتسخِّر هذه
الجوارح كلها في طاعة الله، كلها في مرضاة الله، الله هو يوفِّقك، الله يحفظ جوارحك
فلا تعصي الله عز وجل بهذه الجوارح. "كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به،
ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها" إذن هذه أول ثمرة من ثمرات محبة الله
لهذا العبد، أنَّ الله يحفظ جوارحك فلا تقع فيما حرَّم الله، طيب العكس؛ فإذا وجدت
أنَّك تقع في المعاصي والذنوب في جوارحك فاعلم أنَّ هنا في مشكلة في مصيبة، الله ما
حفظ جوارحك.
الثمرة الثانية: قال: "ولئن سألني لأُعطينَّه"؛ لأن هذا العبد محبوب
إلى الله، الله يحبُّ هذا العبد، فإذا هذا العبد سأل الله الله يعطيه؛ لأنَّه قريبٌ
من الله جل وعلا، "ولئن سألني لأُعطينَّه" تصوَّر أضرب لكم مثال -أنا أحبُّ أضرب
لكم أمثلة تقريبية وإلا فنحن لا نشبِّه الخالق بالمخلوق، نعوذ بالله، لكن مثال
تقريبي-: الآن مثلاً مستشار الملك أو الأمير تجده طلب من الأمير أو الملك طلبًا،
تجد الأمير لا يردُّ هذا المستشار، لماذا؟ قال لك: هذا الإنسان قريب من عندي، هذا
الإنسان باذل حياته وروحه ووقته كله من أجلي، من أجل خدمتي، لا يردُّ له طلب، بعكس
لو طلب واحد من الشعب طلبًا من الأمير أو الملك لعلَّه يردُّه، يقول: أنا لا أعرف
من هذا الشخص، من هو هذا الشخص؟!
فكذلك العبد مع ربه سبحانه وتعالى، الملك
العظيم، ملك الملوك...، اكتبوها عندكم قاعدة: ((كلما كنت قريبًا من الله سبحانه
وتعالى بالطاعات والعبادات، كلما كان دعاؤك أقرب للإجابة)). والشاهد هذا الحديث،
إذن هذه الثمرة الثانية من ثمرات محبة الله لعبده.
الثالثة: قال: "ولئن استعاذني
لأُعيذنَّه" الله أكبر! إذا قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، علطول الشيطان
يحترق، الله يعيذك، الله يعصمك، الله يحفظك من شياطين الإنس ومن شياطين
الجن.
أحبابنا الكرام؛ ولنقف مع هذا الشاهد "ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ
بالنوافل حتى أحبَّه" الله أكبر! فلا بدَّ أن نتقرَّب إلى الله بالنوافل، لا بدَّ
أن تكون حياة المسلم من أن يصبح إلى أن يمسي كلّها مع الله، لا بدَّ أن تجعل لك
برنامجًا يوميًّا في الطاعات والعبادات، وأن تنوِّع في هذه العبادات:
فأولاً:
-على سبيل المثال- الإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى، هذا من أسباب محبة الله عز
وجل لعبده، حتى تقوِّي صلتك بالله لا بدَّ أن تُكثر من ذكر الله، والله جل وعلا
أمرنا في القرآن (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا
كَثِيرًا)، الله يقول: (ذِكْرًا كَثِيرًا) ليس فقط ذكر، لا، الله سبحانه قال:
(ذِكْرًا كَثِيرًا) أكَّد على (كَثِيرًا)، إذن نُكثر من ذكر الله.
هناك أذكار
مقيَّدة في زمان أو مكان، وهناك الأذكار المطلقة، فتحافظ على الأذكار المقيَّدة؛
مثلاً أذكار الصباح تحافظ عليها كلّها، أذكار المساء، أذكار قبل النوم، الأذكار في
المناسبات مثل الذكر قبل دخول دورة المياه، والذكر بعد الخروج من دورة المياه،
والذكر قبل دخول البيت، والذكر بعد الخروج من البيت، وهكذا بقيَّة الأذكار، كذلك
هناك الذكر المطلق في كل وقت: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله
أكبر)، (لا حول ولا قوة إلا بالله)، الصلاة على النبيصلى الله عليه وسلم. إذن هذا
أول أمر حتى تقوِّي صلتك بالله جل وعلا لا بدَّ من الإكثار من ذكر الله سبحانه
وتعالى، لا يكفي أن تذكر الله في أوقات معينة فقط، لا، بل حياتك كلّها ذكر لله عز
وجل، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في
الميزان، حبيبتان على الرحمن" هي خفيفة، الرسول وصفها: "خفيفة"، ومع ذلك تجد كثير
من الناس تقول له: كم مرة تقول هذا الذكر ((سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم))
لعلَّه يمرُّ عليه أسبوع أو أسبوعين أو شهر لم يقله، مع إن الرسول قال: "خفيفتان
على اللسان، ثقيلتان في الميزان؛ سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم".
إذن
أول جانب من جوانب تقوية الصلة بالله سبحانه وتعالى: الإكثار من ذكر الله سبحانه
وتعالى؛ ولهذا قال أحد الصالحين: علامة حبِّ الله كثرة ذكره، فإنك لن تحبَّ شيئًا
إلا أكثرت من ذكره؛ الإنسان إذا أحبَّ شيئًا يُكثر من ذكره، اللي يحبّ المال
والعقار يكثر من ذكر المال والعقار، اللي يحبّ النساء يكثر من ذكر النساء، اللي
يحبّ كذا..، كل واحد على حسب ما يهوى ويحبّ.
كذلك الأمر الثاني: الإكثار من
قراءة القرآن الكريم، لا بدَّ أن نكثر من قراءة القرآن الكريم؛ لأن القرآن الكريم
بإجماع العلماء -كما يذكر ذلك الإمام النووي- هو أفضل الذكر، القرآن الكريم هو كلام
الله جل وعلا، فالله سبحانه وتعالى يحبُّ منَّا أن نكثر من قراءة كلامه سبحانه
وتعالى، فلا بدَّ أن تجعل لك وردًا يوميًّا، يعني أقل شيء جزء، ما يمرُّ عليك شهر
كامل إلا وأنت قد ختمت القرآن، هذا أضعف الإيمان -كما يُقال-.
كذلك الإكثار من
الصلوات؛ لا نكتفي فقط بالفريضة، بل نصلِّي الضحى ركعتين، أربع، ست، نحافظ على
السنن الرواتب -معروفة- التي قال الرسول عليه الصلاة والسلام: "من صلى اثنتي عشر
ركعة في اليوم والليلة بنى الله له بيتًا في الجنة" وهي: ركعتين قبل الفجر، أربع
ركعات قبل الظهر، ركعتين بعد الظهر، وركعتين بعد صلاة المغرب، وركعتين بعد صلاة
العشاء، هذه السنن الرواتب، نحافظ على قيام الليل؛ كان رسولنا صلى الله عليه وسلم
-تصوَّروا- كل ليلة يصلِّي إحدى عشر ركعة سواء في رمضان أو في غير رمضان، المشكلة
أننا لا نعرف إحدى عشر ركعة إلا في السنة مرة، في رمضان فقط، بل قال الإمام ابن
القيم وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، قالوا: كان الرسول عليه الصلاة والسلام يحافظ
في اليوم والليلة على أربعين ركعة، أربعين ركعة كان الرسول يحافظ عليها قد يزيد
عليه الصلاة والسلام لكن أربعين ركعة كان يحافظ عليها، تصور ايش هذه الصلة مع الله
سبحانه وتعالى! أربعين ركعة كم سجدة فيها؟ فيها ثمانين سجدة، الله أكبر! يعني تسجد
لله عز وجل، تحني جبهتك، وتتواضع، وتخضع لله في اليوم ثمانين مرة، الله أكبر! نعم؛
إذن نكثر من الصلوات.
وهكذا المؤمن؛ المؤمن الصادق في محبته لله عز وجل ما أن
يخرج من طاعة إلا ويدخل في طاعة أخرى، وما أن يخرج من عبادة إلا ويدخل في عبادة
أخرى، وما أن يخرج من ذكر إلا ويدخل في ذكر آخر، فحياته -انتبه!- تعتبر سلسلة
متواصلة من الطاعات والعبادات، ما عنده وقت فراغ في حياته اليومية، حتى لو قام بشيء
من المباحات فإنه ينوي بها التقرُّب إلى الله؛ فإذا نام ينوي النوم مبكرًا حتى يقيم
الليل، إذا أكل أو شرب يتقوَّى على طاعة الله، كل أعماله ينوي فيها الله سبحانه
وتعالى.
ولا شكَّ -أحبابي الكرام- أن من أقوى الأمور التي ينبغي أن ننتبه وأن
نعتني وأن نركِّز عليها حتى نقوِّي صلتنا بربنا سبحانه وتعالى أن نركِّز على هذه
القلوب؛ أن نطهِّرها، أن نزكِّيها، أن نحافظ عليها أن يدخل عليها شيء من أمراض
القلوب؛ كالحسد، والحقد، والنفاق، والرياء، والكبر، وغير ذلك من الأمور. ولهذا كان
من دعاء رسولنا صلى الله عليه وسلم كان يقول: "يا مصرِّف القلوب صرِّف قلبي إلى
طاعتك"؛ لأنَّ الله هو الذي يتصرَّف في هذه القلوب، "صرِّف قلبي إلى طاعتك"، فلا
بدَّ -أحبابي الكرام- أن نركِّز على جميع أنواع العبادات، جميع أنواع الطاعات، حتى
نقوِّي صلتنا بربنا سبحانه وتعالى، وما هي النتيجة والثمرة؟ النتيجة والثمرة هي:
محبة الله جل وعلا لهذا العبد.
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يوفِّقني
وإياكم لما يحبُّ ويرضى.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.